في تلك الزاوية من العالم، حيث ترعرعت، كان الكل يتنهدوا لدى اقتراب فصل الخريف ويشتكون من وصول الفصل الذي لا يعرف المرء ماذا يرتدي، حيث النهار يكون حارا ويأتي البرد مع الغروب والسماء مليئة بوعود المطر والأيام تصغر والليالي تطول.
لماذا تعتم الدنيا بسرعة هكذا؟ لماذا يجب أن نكنس الباحة باستمرار؟ لماذا تظل بركة الماء في وسط الباحة مليئة بأوراق الشجر وعلينا تنظيفها باستمرار؟
لك بالرغم من كل ذلك، ومنذ المراهقة، وأنا أحب هذا الفصل لأن كل ما يحدث في الخريف يشبه أحاسيسي ويمكن أن يحدث تغيير في أي لحظة. منذ كنت مراهقة كانت تعيش في مخيلتي بنت الخريف بشعرها البني المحمر. كلما نفح ريح الخريف طار خلفها كالموج. وكلما هطلت الأمطار تخيلت شعر تلك الفتاة يتبلل ويصبح لونه غامقا. والريح يلعب بشعرها طوال اليوم وفي المساء، تعبة كانت تجدله.
كنت أعشق بصديقتي الخيالية الصغيرة هذه. حتى بعد كل تلك السنوات، ما زلت أعشق الخريف. أحب صوت أوراق الشجر الذي يشبه أحيانا صوت قلبي. أحب الهواء الذي يبرد فجأة. أحب أمطار الخريف ورائحة الطرق المبللة كلما أمطرت. أحب أن أمشي تحت المطر دون مظلة.
أحيانا أجلس قرب نافذتي وفنجان الشاي في يدي وأتأمل من خلف الزجاج مغيب الشمس وكثيرا ما أقرأ كتابي المفضل، الذي أعيد قراءته كلما عاد الخريف.
حين يبدأ الخريف، تبدأ أيضا نزهاتي عند الغروب فإن فاجأني البرد أجلس في المقهى القديم على الطريق العام، المقهى ذات المقاعد الخشبية. هذا المقهى ما زال يعيش في داخلي، مقهى يرفض التجديد. أشرب في الشاي وأشغل هاتفي المحمول لأرى كل تلك الصور التي ينشرها البعض لطرق مغطاة بغطاء برتقالي. صور لأوراق الشجر الخريفية أو أوراق برتقالية على تنورة فتاة مجهولة.
في البلد الذي كنت فيه من قبل، كانت السنة تبدأ مع الربيع. حيث أقيم اليوم، تبدأ السنة مع الشتاء. لكن في بلد ذهني وقلبي، كل سنة تبدأ مع الخريف. وللتحديد، ما بقيت إلا أيام قليلة من الخريف لكي تستوعبوا جماله.
ماذا يشبه هذا الفصل في مخيلتك؟
*** كتبت هذا النص مهدية حسيني في فصل الخريف لكنه وصلكم مع بعض التأخير.
Add comment