في 14 نيسان / أبريل، كانت الذكرى، فقمنا بقطع الكعكة حيث أطفأت الطيور المهاجرة شمعتها الأولى مع الدعاء بأن تكمل « طيرانها».
مرت سنة بكل ما جلبته من نجاحات واخفاقات، وضحكات وأحزان، وآمال وخيبة أمل.
سنة مليئة بالخبرات ،المشاعر ونقاط التواصل!
في الذكرى الأولى للصحيفة، مر في ذهني شريط مصور احتوى هذه الذكريات، حيث تبدأ مشاهده من حديقة ترابية في مخيم سخيستو. تلعب دور البطولة فيه 15 فتاة أفغانية ويونانية، يجلسن فوق قطعة من البلاستيك، تحت الأشجار، ويتلقين دروساً ليصبحن مصورات محترفات.
لقد تولدت لدينا فكرة هذه الصحيفة عندما دخلت مجموعة من الصحفيين المخيم حيث لم يرغب الناس بإجراء مقابلات معهم. كانوا يظنون بأن هذه المقابلات لن يشاهدها أحد. حيث لا يخطر في بالهم أنه لو استطاع الموجودون خارج المخيم التعرف على الوضع القائم فيه، فإن العديد من المشاكل ستحل. ولذلك، قررنا أن نكون نحن الصحفيون وأن تكون لنا وسائل الإعلام الخاصة بنا، حتى نتمكن من إيصال صوت اللاجئين عبر كتابة الصحيفة ونشرها.
بدأنا بالكتابة.
على الرغم من كل المشاكل التي واجهتنا بسبب الظروف غير الملائمة والتهكم الذي تعرضنا له، لم نستسلم، ولم نعد خطوة إلى الوراء. أطلقنا على الصحيفة اسم “الطيور المهاجرة” (Migratory Birds)، لأن جميع الفتيات المشاركات كن يحلمن بالتحليق والطيران.
في منتصف الطريق، قررت بعض الفتيات المشاركات إنهاء رحلتهن قبل اكتمالها، قررن المغادرة، ودعناهن بالدموع، وبقي أملنا الوحيد أن نتمكن من نشر الصحيفة، لأنها بالنسبة لنا، كانت النقطة المضيئة الوحيدة في بحر من الظلام وخيبة الأمل. حاولنا لمدة ثمانية أشهر، كنا فيها موضع استهزاء. شعرنا بخيبة الأمل في كثير من الأحيان، لكن تلك الفتاة اليونانية وقفت إلى جانبنا في اللحظات الصعبة والسعيدة، بكت عندما بكينا، وضحكت عندما ضحكنا، كانت تمدنا بالأمل وتحفزنا دوماً للوصول إلى نهاية سعيدة.
تمكنّا من نشر صحيفة “الطيور المهاجرة” لأول مرة، بعد ثمانية أشهر. بعد أن طُبعت الصحيفة كانت مختلفة تمامًا عما تخيلنا. لقد كنا نتوقع أن تطبع كمجلة أو كتيب. لكنها طُبعت مثل الصحف العادية تمامًا. وقد ذهلنا. يا له من يوم جميل ويا له من إنجاز عظيم.
بعد أشهر من الجهد المتواصل، كانت الصحيفة موضع ترحيب كبير من قبل الناس في المخيم وخارجه على حد سواء. أخبرنا المقيمون في المخيم بأنهم قد شرعوا بالبكاء فور قراءتهم لكتاباتنا، لأنهم أحسوا بأنها مكتوبة من قبلهم. ولن أنسى أبداً تلك اللحظة حين جاء رجل أفغاني إلينا في الكرافان بعيد قراءته للصحيفة، وقال لنا: “ليس لدي الكثير لأقوله لكم سوى أنني فخور بكم وسأقدم لكم الدعم”. صفق لبضع ثوان وغادر. فتولد لدينا شعور عظيم في تلك اللحظة، سببه إعجاب ذلك الرجل الأفغاني ودعمه لنا.
لقيت الصحيفة ترحيبًا كبيرًا من قبل الشعب اليوناني أيضًا. فلقد دُعينا إلى المدارس والجامعات اليونانية، وأبدوا لنا إعجابهم وشجعونا. ولقد تم طرح العدد الأول من صحيفتنا في معرض الكتاب الرابع عشر في مدينة سالونيك، وهو ما كان بمثابة إنجاز عظيم بالنسبة لنا. جدير بالذكر أن صحيفة “الطيور المهاجرة” هي أول صحيفة مكتوبة بالفارسية وعدة لغات أخرى تصدر في اليونان.
ساهم هذا الإنجاز بتحفيزنا على مواصلة عملنا بروح معنوية عالية، وأردنا أن يكون الفتيان الأفغان موجودين معنا في العدد الثاني من الصحيفة.
مع الوقت انتشرت أخبار صحيفة “الطيور المهاجرة” ونجاحاتها في أثينا ومدن أخرى في اليونان، بل امتدت الى بلدان أوروبية أخرى. حيث تم إعادة نشرها باللغة الإسبانية في اسبانيا، وقد حلقت “الطيور المهاجرة” فوق سماء ألمانيا وإيطاليا والمغرب أيضا. ونُشرت بعض مقالات صحيفتنا في المواقع الأمريكية.
في الصحيفة كتبنا عن أسباب هجرتنا، وعن أحلامنا وعن المجموعات التي قدمت الدعم لنا.
نحن نقدر مؤيدينا و نشير إلى طريق الامل، من حقلنا الجميل في المخيم، حيث بدأنا ، مظهرين نتائج محاولات أحد كبار السن وحتى شكاوي النساء الافغانيات. حيث كان أكثر ما أذهلني هي تلك الامرأة الأفغانية التي ظنت أن المقال (صوت المرأة الأفغانية غير المسموع) لم تقم بكتابته فتاة أفغانية، فكنت أتساءل عن السبب، وجاء التفسير حين قالت لا بد أن من كتبت هذا المقال هي امرأة شجاعة، ومن غير المألوف أن تمتلك المرأة الأفغانية ما يكفي من الشجاعة لكتابة مثل هذا المقال.
من جهة، شعرت بالرضى لنجاحي بالكتابة عن مشاعرهن، ومن ناحية أخرى شعرت بالأسف على واقعنا، فكيف لنا أن ننتظر من الرجال أن يؤمنوا بنا وبقدراتنا، طالما لا نؤمن نحن (النساء) أنفسنا بذلك.
بعد إصدار العدد الثالث من الصحيفة، تضاعف عدد طاقم الصحيفة، فانضم إلى فريقنا زملاء آخرون من سوريا والعراق وباكستان وإيران واليونان.
اليوم، وبعد صدور سبعة أعداد من صحيفتنا، حققت “الطيور المهاجرة” إنجازات ونجاحات لم يكن يتصورها الكثيرون منها من حتى في أفضل توقعاته عندما بدأنا.
نعم لقد أكملت “الطيور المهاجرة” عامها الأول، وتذوقنا متعة التحليق عالياً، ونشكر كل من دعم وشجع صحيفتنا وإيانا في هذه الرحلة، كما نشكر أولئك الذين وقفوا ضد الصحيفة، فهم بذلك أعطونا المزيد من الطاقة لرصد نقاط ضعفنا وأعطونا درساً في الإصرار.
لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل، ولكننا نأمل أن تستمر هذه الصحيفة لسنوات عديدة، ولكن حتى لو لم يتحقق ذلك، فيكفينا أن نتشارك معكم ذكرياتنا.
في كل صفحة من صفحاتها قمنا بكتابة كل ما مررنا به من تجارب، حتى تلك التجارب التي لم تكن جيدة، لأنه يتوجب الإيمان بالأشياء الجيدة.
فنحن إن كنا قد كتبنا عن الخيام، فإنه من الواجب عليك أن تقدر البيت الذي يؤويك.
وإن كنا قد كتبنا عن المطر، فيجب عليك أن تؤمن بقوس قزح الذي يتلو المطر.
وإن كنا قد كتبنا عن الغابات، فيجب أن تؤمن بالسلام.
نحن نؤمن بأن كل ما يصدر عن القلب، تشعر به القلوب الأخرى.
نأمل أن تحلق “الطيور المهاجرة” في جميع أنحاء أوروبا، وفي جميع أنحاء العالم، لم لا!
Photos by Migaratory Birds Team
Add comment