لماذا يعتقد بعض الأوروبيين أننا سعداء في بلادهم؟

هل الأرض شاسعة؟ هل هناك مكان يسع للجميع؟ هل تجدون أسئلتي هذه طفولية؟ لو سألكم تلك الأسئلة طفل، على الأرجح أنكم سوف تقولوا له: “بالطبع إن الأرض شاسعة وهناك مكان يسع الجميع. على هذه الأرض الكل يعيش سعيدا وفرحا”. لكن إن سألت تلك الأسئلة فتاة صبية مثلي، ماذا يكون ردكم؟ إن كان ردكم هو نفسه، لما أبتسمت كما قد يفعل أي طفل. لقلت لك ما يلي: إذا كانت الأرض شاسعة وكان هناك مكان يسع الجميع، لما قسمت إلى قطع كثيرة ولما كانت هناك حدودا ولا ((هذه بلدي)) و((هذه بلدك)). لقلت لك ((لا يهم من أين أنت لأننا جميعا مواطني الأرض)). هذا كله يبدو مضحكا كالشعارات الفارغة. سوف أقول لك أن الأرض فعلا شاسعة لكننا نحن البشر قسمناها إلى قطع صغيرة أو كبيرة لكي نجعلها ملكا لنا. أقول لك أنني لا أملك ولا شبر من هذه الأرض الشاسعة. ما دمنا جميعا مواطني الأرض ولا أهمية للجنسية، لماذا حين تلتقوني يكون أول سؤال يطرأ عليكم “من أين أنت”؟

أن تعتبروا أن المغترب يشعر فعلا بالفرح والراحة في بلادكم شيء خاطئ ومؤلم لي. لا أحد يحب أن يترك وطنه وموطأ رأسه حيث كبر وترعرع واكتسب خبراته الأولى. لا أحد يحب أن يترك من يحب ويرحل. أنا لست سعيدة لأن الأشخاص الذين أقيم في مدينتهم ليسوا سعداء بوجودي. كل ما لدي هو الأمان. لكن لا! في هذه الفترة أنا لا أملك حتى الأمان. لست سعيدة لأن جيراني ليسوا سعداء بوجودي بينهم. لكنني بأمان. لا، لا، نسيت مرة أخرى، أنا ما عدت بأمان. لست بأمان حين يعلن سياسي ألماني بفخر “أرجعت 69 مغترب أفغاني إلى بلادهم” بمناسبة عيد ميلاد الـ69. أحد هؤلاء المغتربين الذي عاش لمدة 8 سنوات في ألمانيا، انتحر. هل يمكنني أن أكون سعيدة في قارة حيث السياسيون يلعبون هكذا بحياة مغترب؟

لا يعجبني أبدا أنكم تعتبرون أن حكوماتكم تمنحنا أموال دافعي الضريبة وإذا ظهرت لكم أنني بخير، فذلك بفضل ضرائبكم أما إذا ظهرت أنني لست بخير، فذلك لأنني مغتربة قذرة. فكروا قليلا. ألم تدفعوا الضرائب قبل حضور اللاجئين إلى بلادكم؟ أنتم إذا لا تدفعون الضرائب لأجلي. كنت أود أن أعيش في دولة آمنة وأن أدفع آلاف الضرائب بحيث تكون لي جنسية وقطعة صغيرة من الأرض أدعوها منزلي. إن كنتم تعتقدون أنني سعيدة في بلد ليس بلدي، حيث أحصل على دعم ضئيل شهري وأحاسب على كل ما أشتريه، يجدر بكم أن تعيدوا النظر.

ضعوا أنفسكم بمكاني. منذ مدة طويلة وأنا لا خيار لي في المكان الذي أعيش به. أحيانا لا يحق لي حتى أن أجلس في الباص. وأحيانا لا يحق لأبنائي الذهاب إلى المدرسة لمدة أشهر. هل تريدون أن تأخذوا مكاني كل مرة أنتظر فيها المترو وأخاف بأن أحدهم قد يدفعني على خطوط القطار؟ هل تريدون أن تأخذوا مكاني كل صباح حين أصحو وأول شيء أفعله هو الاستماع إلى التطورات السياسية الأخيرة بشأن اللجوء أو الهجوم الفاشي ضد المغتربين أو عدد الأشخاص الذين غرقوا في بحر إيجيه؟   

نعم هذا كله يحدث على أرضنا وليس في الكتب أو الروايات. لست سعيدة. أنا فقط بأمان. كنت أخشى عدم الأمان والحرب والموت. كنت أخشى أن يشنقوا أبي لأنه تكلم عن السلام، أن يتحول زفاف أخي إلى حداد بسبب هجوم إنتحاري أو أن أفقد أبسط حقوقي الإنسانية. فعلا هذا كله أرعبني ولذلك لجأت إلى بلادكم.

بلادكم ليست بلادي. هي فقط ملجأ لي. أنا هنا لأشعر بالأمان ولكن في بعض الأحيان أفتقر حتى للأمان. تذكروا ماذا حدث في إكسارخيا في 26 آب 2019. كان الساعة الخامسة صباحا وكنت نائمة أحلم بكل ما لن أحصل عليه أبدا حين داهمت الشرطة المنزل وطردت مئات النساء والأطفال من حيث يقيمون. هل من الضروري أن يتم “تنظيف” منطقة تشكل وكرا للمخدرات، في الساعة الخامسة فجرا ودون أي إنذار؟ 80% ممن كانوا في تلك المنازل نساء وأطفال أبرياء. الخوف والرعب كانوا هدية الشرطة إلى أطفال إكسارخيا في الساعة الخامسة صباحا! هل فرحتم أبدا بهدية؟

كل ما سبق ليس مبالغ به. هي فترة قصيرة من حياة المغترب. أكتب عنها لأنه يجب أن تعرفوا أن كل ابتسامة تخبئ حزنا غاضبا. أكتب لأنكم يجب أن تعرفوا بأن اليورو والمال لا تكفي لحل أية مشكلة. سوف أفعل ما بوسعي لكي أطبق كلمات غاندي: “كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم”. سوف أعلم طفلي بأننا نستطيع سويا تغيير العالم وأن نجعل منه أرض شاسعة دون حدود. نستطيع أن نختار طريق الإنسانية وليس طريق العشيرة والجنسية أو الدين. سوف أعلم طفلي أنه في الكلام قوة وإنما الأقوى أن نفعل. لنفعل إذا ولنحقق شعاراتنا التي تتكلم عن الحرية والمساواة وحقوق الإنسان. 

مهديه حسيني

Add comment